كنت أتمنى لو كانت هذه المقالة مسموعة لتبحر معي في تحرر من تشويش البصر
على الحواس, لتتحرر من محاولته دوما إرغام العقل على تقبل انه هناك حقيقة واحدة بدلا
من كافة الافتراضات التي قد تتناوب الطرح في غياب البصر, متعكزا على حواس أخرى
تنمو تلقائيا في غياب البصر.
لم أنفصل عن الوعى تماما.. وإنما كانت مرحلة وسطى بين عالمين موازيين..
مرحلة إكتشاف وتحسس.. وربما لم يكن العالمين منفصلين تماما وإنما كانت مثل مشهد
واحد تمت إعادته بلغتين مختلفتين, ناهيك عما يستدعيه ذلك من إستخدام مصطلحات
مختلفة بحسب الثقافة أو اللغة.
ولكن وجه الإختلاف هنا لم يكن اللغة بقدر ما كانت الحواس نفسها.. مقاييس
جديدة للشعور والحس والتلاقي مع الواقع المحيط.. فلم تكن للعين دور كبير في
سيناريو يُكتب لحظيا دون تدوين.. وأن يجد السمع نفسه مضطرا لإكتساب مهارات جديدة
في الإكتشاف ومساندة الحدس والتوقع ورسم صورة رادارية للمسافات المحيطة.
تنشط الذاكرة فجأة محاولة رسم آخر
صورة التقطتها العين - بشكل لا إرادي – محولة إياها إلى ماكيت ثلاثي الأبعاد لوضع
خطة للتحرك وتناول الأشياء..
قد تشعر بحنين نحو الألوان ولكنك تجد أنك تستطيع أن تبتكر أفضل منها من
جديد.. فلطالما كنت ناقما على بعض الألوان في حجرتك دون ميزانية لتغييرها.. لقد
حانت الفرصة لتكوينها من جديد.. بل وربما تغيير نظامها بالكامل وإتجاهتها في
مخيلتك.. فعالمك الجديد له مقاييسه الجديدة التي بدأت تعتادها
سوف تعاين متعة جديدة في إستخدام أشياء لطالما راق إليك مجرد النظر إليها..
فيصير لمسها الآن هو وسيلة تواصلك معها خاصة حينما يخيل إليك شعورها بك..
حتى ما تشعر به من ألم جسداني يتغير الآن.. تتحسسه بصورة جديدة وبأبعاد
جديدة.. وأما آلامك النفسية فقد تنظر بروحك نحو آفاق جديدة تحررك منها أو تزيدك
إنغماسا.. كما تختار أنت وتختار لك إرادتك المتحررة من ذاك التشويش..
قد تفتقد هوايات مثل القراءة مثلا.. ولكن تجد أن الموسيقى أصبحت ذات مذاق
خاص بعد أن ذهبت بعيدا عنك كافة المشتتات واطلق لتلك النغمات العنان للتعامل مع
خيالك ومشاعرك.. وتبدو الكتب المسموعة أكثر من مجرد كلمات متلوة وإنما فيلم جرافيك
ترسم خطوطة الرقيقة لحظة بلحظة بفرشاتك الخاصة..
عفوا.. "النور جه".. إلى أن نلتقي في عالم موازي جديد..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق