السبت، 28 يناير 2012

مفتى برايفت


كنت في طريق عودتي من المدرسة في مرحلتي الاعدادية حينما امر على "العجلاتي" لأقوم بأى إصلاح بالدراجة كنت أجد صديقا له يجلس على الكرسي ساق فوق الاخرى ممسكا بكوب الشاى ومنحنيا قليلا و ينهال منه كم هائل من الفتوى الدينية و الاجتماعية في شتى المجالات, كمن سرق منه منبر أو كاميرا برنامجه التليفزيوني و بالكاد وجده من بعد فراق ,ويستمع "العجلاتي " باهتمام وسط انهماكه في عمله ويجيب كل بضعه جمل ب "ممم" أو "اه والله".
بعد أن ينتهي من دراجتي وتأخذني لطريق منزلىنا نسابق السيارات و يأخذني المطاف للبقال المجاور لشراء بعض الطلبات فإذ أجد نفس المشهد أمامي مرة أخرى و أجد مفتى ملاكي آخر يحتسى ربما كان نفس الكوب من الشاي.
وقتها ظننت أنها مجرد صداقة أومجرد تضييع الوقت من يوم طويل مثقل بالعمل, لم أكن أظن أن لكل منا في حياته مفتي ملاكي نستعين به أمام أية معضلات على الفهم ولتصفية الأخبار ولغربلة الآراء.
فهو يسهل علينا عمليات عديدة مثل أختيار مرشح البرلمان ورئيس الجمهورية ولأى حزب يمكنني الانضمام. بل و قد يصل الأمر إلى معرفة أحكام قضائية قبل صدورها.
قد يكون مفتيك الملاكي هو مذيع تصدقه أو رجل دين تشعر فيه الطيبة وأنه "فيه شئ لله" وقد يكون مفتيك هو زميلك في العمل.
قد يكون والدك المسيطر و الذي لا يمكن أن يكون رأيه خاطئا, أو شخص لم تستطع مرة واحدة أن تقهر رأيته لطريقة عرضه الجذابة و لمعلوماته التي تبدو بلا حدود.
فقد يبدأ الأمر حين تسمع مذيع معين يوافقك في رأى ما و في الغالب يكون وقوفه خلف قضية أقلية معينة تكون أنت أحد افرادها أو مطلب فئوي تطالب به أو لمجرد أنه قبل إضافتك على الفيس بوك.
ومن بعدها و كل كلمة يتفوه بها مفتيك الملاكي هذا وقد صارت لسانا للحكمة لا يتحدث إلا من كواليس القدر.
و يزداد تشبثنا بذاك المفتي الملاكي كلما شعرنا بالتوتر من كثرة الأحداث و عدم القدرة على ملاحقتها أوكلما تغير رأينا أمام كل كلمة نسمعها.فإن جلست معك أجد الثورة عظيمة و مجيدة وإن جلست معه أجد الثورة لم تكتمل وإن جلست معها أجدني ألعن الثورة بكل ما أتت به و كل من أتى بها.
وجهة نظرك أغلى وأثمن من أن تفوض فيها أى شخص آخر على وجه الأرض لاسيما من اتخذو الافتاء الملاكي حرفة و اشترو بها وطنا و نظاما وكانت النتيجة تجريم من يجد لديه وجهة نظر.