الجمعة، 1 فبراير 2013

حريتى وأخواتها


لم يكن مشهد البداية سوى كلمات متناغمة تسير المارش العسكري بصحبة الأنغام الحماسية في طريقها لممارسة طقوس التعبد أمام صنم الحرية, من يمنحها لنا كل يوم وكل خطاب وكأننا من يسئ استخدامها فيمسك بنفوسنا الرقيقة حتى لا نؤذى حياتنا بحريتنا.
وتتوالى المشاهد تكرارا ومسخا وإسفافا ولكن تعلو كلمة الحرية صوتا, ويترامى صداها في الفضاء الفسيح حيث النجم العالي يشاهد ذلك الصنم متصدعا متهاويا ساقطا أمام تلك الكلمة.

ويحيط بنا جميعا ذلك المشهد الصامت ذو المهابة والخشوع حيث نجد ذلك الصندوق الثمين المحتوي جوهرتنا الغالية جوار يد الصنم الساقط للتو, نجد حريتنا أمامنا ولا نجترئ أن نمسك بها. فلا نعلم عنها سوى اسمها, ولكن عرفنا الآن من وحي المشهد أنها تتيح لأي كان أن يتحدث باسمها, ويعلن عنها ويتولى أمانتها ويقسمها بالتساوى للجميع. فوقفنا جميعا ننتظر نصيبنا حتى طال الانتظار. ووقفت الحرية تتحدث عن نفسها: "لا تبحث عني ولا يضيق بك العالم بحثا, فأنا لست في قرارات حاكم ولا بين كلمات دستور, قبل هذا وذاك أنا داخلك, فهناك فرق بين الحرية ذاتها وبين من يكفل الحرية".

فلم أعد أنتظر الحرية من مانح جديد بعد إدراكي أن مانحها مانح الحياة ذاتها, من لم يجبرني على قبوله ذاته في حياتي, فكانت أول حرية هى الحرية في قبول خالقها, وأن الحرية أسلوب حياة قبل أن تكون نصوص, فالنصوص تكفل الحرية ولا تخلقها. فالحرية هي حلقة الوصل بين الأخلاق الاجتماعية, فأنت حر أن تنتقد, لست حرا أن تحرض. حرا أن تقارن, لست حرا أن تكون عنصريا, حرا في رأيك, لست حرا في تهميش الرأى الآخر. فهي الموازنة بين حقوقك وواجباتك, كما لوكانت نور يتسع لجميع خطواتك التي لا تضغط على قدم أحد.

وإن أفصحت الحرية عن نفسها إلا إنها لا تفرض نفسها علينا, فعلينا أن نقبلها داخلنا وفي سلوكنا لأننا من سيتحمل مسئولية تصرفاتنا, فهناك من يرفضها هاربا نحو دفء العبودية حيث دوما من يتحمل مسئولية حاله ومآسيه.
فالقهر لا يلغي الحرية, وإنما يلغيها خنوعك انت له. فالصنم سالف الذكر لم يمنع عنا الحرية كما ظننا, وإنما أوهمنا بذلك, لأنه يمتلك قهر المعذبين وسخرية المقيدين. لم ندرك يوما أن حريتنا كانت معنا نحن رغم ذلك المشهد التاريخي أن حريتنا عادت إلينا راكضة بعد لحظات من سقوط الصنم. فلم تكن تلك حريتنا من يركض إلينا, وإنما مسخ جديد يريد إستكمال إيهامنا أننا أحرار تماما كما كان يخبرنا ذلك الصنم.

فمهما زاد القهر فستظل دوما لك حرية الاختيار. فإن أسعفنى القول فإن التخيير في استخدام الحرية هو الحرية ذاتها. كل ما هنالك أن هناك تقصير في كفالتها من قبل من يقع على عاتقه ذلك.

قد يكون هناك من يحاول منعك من إبداء رأيتك, تغيير معتقدك, فلسفتك في الحياة, أسلوب حياتك ومعيشتك, التنقل والإتصال. بل قد يصل بهم الأمر إلى محاولة قتل حرية الخيال داخلك, خوفا منك غدا أن تكون, فحريتك تجعلك أقوى أمام أى طاغية ومسيطر ولو كان هذا الطاغية هو مخاوفك.
ولا تنخدع أبدا بأخوات الحرية وظلالها حين يخدعنك بها بأنك تتمتع بها حقا مثل زمن طال حتى انتهى, فلا تعد تبحث عنها.. استخدمها.. تعرف عليها من جديد, لا تغمض عينيك أمام قسوة النور من بعد ظلام.. استمتع بدموع أول شعاع نور. ولا تتركها بيد مانع أو مانح من جديد.

تم نشرها في الشروق بتاريخ 23/12/2012
http://www.shorouknews.com/menbar/view.aspx?cdate=23122012&id=1b27b086-ff11-441c-8968-ab088e2a49a1

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق